[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على رجل مريض يزوره؛
فلما رآه يتلوى من الألم دعا له قائلاً: " لا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ" فَقَالَ الرجل معترضاً: كَلاَ.. بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ
كَبِيرٍ كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ؛ فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَعَمْ إِذَن".
هنا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يضيء الجانب الحَسَن من الأمر،
ويُلفت نظر الشيخ بأن هناك ثمّة فائدة لمرضه وألمه وشقائه؛ لكن الرجل
المريض لم يشأ؛ إلا أن يرى أسوأ ما في الأمر، ويقف عنده لا يبرحه.
إن أمر الله قائم، ومن الفطنة التي تبعث السعادة والسرور أن نتعامل مع قضاء
الله تعاملاً إيجابياً؛ فيرى الله منا تسليماً لقضائه، ورضى بقدره،
وامتثالاً لأمره.
وتحكي كتب التاريخ أن يوليوس قيصر تعثّر أثناء نزوله من سفينة على شواطئ
إفريقيا ووقع على الأرض، ومثل هذا المشهد قادر على بثّ الوهن بين الجنود
واعتباره نذير شؤم؛ لكن يوليوس قيصر -المعروف بسرعة بديهته وموهبته في
الارتجال- فتح ذراعيه كاملتين، ثم احتضن الأرض وقبّلها؛ وذلك كرمز للاشتياق
للفتح والانتصار؛ فتبسّم جنوده واستبشروا خيراً.
إن المرء منا لا يملك مصباحاً سحرياً يسيّر له الأمور وفق ما يشتهي، إنه في
مصيدة الأقدار، تتلقاه الحياة حيناً بالعنف والقسوة، وحيناً آخر بالفرج
واليسر، وعليه أن يتعامل مع جميع الحالات بشكل أمثل.
إن مناطحة القدر لَشيء صعب، ومعاندة الحياة طريقة المفلسين، وصدَق نبينا
-صلى الله عليه وسلم- وهو يعطينا الخلاصة قائلاً "إن عِظَم الجزاء مع عِظَم
البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله
السخط".
إن من أهم القوانين التي نحتاج إلى أن نقف عندها كثيراً لفهم واقعنا بشكل أفضل؛ ذلك الذي يقول:
لا تدع الأشياء التي ليس لك يدٌ في تغييرها، تأخذك عن الأشياء التي لك يد في تغييرها.
المرض، فقدان حبيب أو قريب، الكوارث الكونية؛ كلها من أقدار الله التي
تحتاج منا إلى تسليم مطلق، ولا يجب للذكي أن يقف عندها متحسراً، أو باكياً،
أو حانقاً.
بينما الخسارة المادية أو الدراسية أو الحياتية بشكل عام؛ هو ما يجب أن
نطمح في تغييره، وإعادة النظر في كيفية تحسينه وجعله أفضل؛ بل ونصل الليل
بالنهار من أجل أن نمحوه تماماً.
"هيلين كيلر"، الصماء العمياء البكماء، لم تقف عند حدود إعاقتها تبكي
وتولول؛ وإنما تعدّت تلك الإعاقة، وحذفت من تفكيرها كونها امرأة مريضة؛
فكانت رقماً هاماً في التاريخ، ومعادلة يصعب تكرارها.
طه حسين كان أعمى، الرافعي كان أصمّ، العقاد لم يُكمل تعليمه؛ لكنهم بدلاً
من الشكوى والتذمر حوّلوا دفة عقولهم، إلى بذل المزيد من الجهد لصنع واقع
أفضل وأجمل، وقد كان.
للأسف الشديد لدى معظمنا ميل عجيب للشكوى من الأشياء التي ليس بمقدورنا
تغييرها، مع إهمال تامّ للأشياء التي يمكننا أن نعوّض فيها ذلك العجز أو
الخلل، معظمنا يشكو من فساد إداري، وأخلاقي، ووظيفي، ويتألّم من عالم تحكمه
قوانين المصلحة والجشع والنفاق، ولا نراه في المقابل يبذل جهداً في دائرة
التأثير القريبة، والتي يمكنه أن يغير فيها فعلاً.
فنجد من يشكو من فساد الذمم ويقبل الرشوة، ويستنكر الوقاحة التي يمارسها
الشباب في الشارع؛ لكنه لا يجتهد في تربية أبنائه والتعب معهم، ويصرخ من
عدم وجود وظائف وهو لم يتحمل العمل لأشهر قليلة متدرباً تحت التمرين.
يا صاحبي ركّز اهتمامك وجهدك فيما يمكنك تغييره، أما امتحان القدر فسلّم له
تسليماً مطلقاً، وابتسم، وذكّر نفسك بسلوى النبي للعجوز الناقم.. وتعلّم
من فطنة يوليوس قيصر؛ إذ سقط فارتفع.